قنا كما رآها الرحالة التركي أوليا جلبي
في المجلد
العاشر من كتاب أوليا جلبي بن درويش محمد ظلي ، خصصه للحديث عن رحلته إلى مصر
والسودان والحبش التى قضى فيها ثمانى سنوات فيما بين ( 1082ـ 1091هـ = 1672ـ
1680م). وقد ألفها باللغة التركية العثمانية تحت مسمى" أوليا جلبى سياحتنامه
سى ـ مصر، سودان وحبش"
أوصاف مدينة قنا
مدينة قنا فتحها عمرو بن العاص وبعد عمرو وفى خلافة عثمان وحين كان محمد ابن أبى بكر واليا على مصر قدم قنا ، وجعلها عاصمة ثلاثة أعوام ، وقد أصبحت هذه المدينة بعمائرها مصر الثانية ، وأقيمت بها قلعة بالقرب من ميناء القصير فى تلك الفترة
ومنها كانت ترسل الغلال إلى جدة ، وهى ميناء مكة ، وينبع وهى ميناء المدينة المنورة ، ومنذ هذا العصر وأهل قنا يشتغلون بالتجارة ، وفيها تجار عظام وأكثرهم من أشراف مكة والمدينة ، ولأن قنا ميناء صغير فهى كاشفية تتبع قوص وهى التزام يدر مائة كيس ، ليس فيها جنود من الفرق الأربع ولكن فيها انكشارية وعزب من مصر.
ولهذه المدينة مفتى على المذاهب الأربعة ونقيب للأشراف لأنها مليئة بأشراف مكة وهى قضاء يدر مائة وخمسين أقجه ليس إلا ولتجارها مخازن على شاطئ النيل وتتكدس فى هذه المخازن شتى أنواع السلع لأنها ميناء مكة والمدينة والحبشة واليمن وعدن ، ويأتى الأشراف من الحجاج ويقضون فيها أربعة أو خمسة أيام ، وهم فيها يسيرون على الأقدام أو يركبون الحمر أو الجمال ، ومنها يصلون إلى ميناء القصير ، وكراء (أجرة) الحمار خمسة قروش ، ويركبون منها السفن ليصلوا فى ليلة أو ليلتين إلى ميناء ينبع ، وبعد ذلك يبلغون مكة فى خمسة أو عشرة أيام بإذن الله ، ويكلفهم الحج دينارا واحدا وهناك يلتقى جموع غفيرة من الناس ، ولكن الطريق وعر عسر.
وفى جنوب قنا على ساحل النيل على مسيرة خمسمائة خطوة أرض رملية بها قصور شامخة ومسافة تبعد جنوبا عن النيل قدرها ثلاثة آلاف وستمائة خطوة وهى مدينة جميلة وجوانبها الأربعة لها أبواب ، وعليها حراس ، ويغلقونها ليل نهار وفيها عشرون جامعا ، وسبع منها خطبة علاوة على كثير من الزوايا وفيها الجامع الكبير يؤمّه كثير من المصلين ويسمونه كذلك جامع أمير المؤمنين لأن عمرو بن العاص حينما فتح هذه المدينة أقام هذا الجامع للخليفة عمر بن الخطاب ، وطوله وعرضه ستون خطوة ، وفى داخل الجامع خمسون عمودا من الرخام يحمل سقفا وفى وسط حرمه خمس نخلات نبتت من جذر واحد ، لقد زرع عمرو هذه النخلات بيده ومحرابه ليس خاليا من النقوش ومنبره من خشب وعلى منبره تاريخ هو :
(بسم الله الرحمن الرحيم ، أنشأ هذا المعمارات المباركة والجامع الأمير حسن أغا فى تاريخ السابع عشر محرم سنة 1079).
وقد تخرب هذا الجامع على مر الأيام وقد أنفق حسن أغا وهو ملتزم مدينة قنا من صلب ماله عشرة آلاف قرش لتعميره وترميمه ولا وجود لجامع كبير فى تلك المدينة سوى هذا الجامع ، وبالمدينة سبع تكايا ومدرستان وعشرة مكاتب للصبيان وعديد من الوكالات وسبع مقاه ومائة وخمسون دكانا وحمام وسوق للغلال وميدان ، ويقام فى كل أسبوع فى هذه المدينة سوق يأتى إليها جمع غفير من الناس من سبعين قرية بجوارها فيبيعون ويشترون.
ولاعتدال جوها نساؤها سمراوات جميلات ولقربها من الحبشة فإنهن من نسل الجوارى الحبشيات ، وإنهن يتحلين بالأساور والخلاخيل كما يلبسن القمصان الحريرية ، ولهن عيون كعيون الظباء ، وهن يلففن قوامهن بالحرير الأسود ، وبعضهن خليعات يرقصن فى المقاهى وليس هذا عيبا عندهن ، أما السيدات العفيفات منهن فيختلفن عنهن وهن لا يغادرن من منازلهن إلا إلى المقابر فى يوم الجمعة ، والرجال يلبسون العباءة وتشتهر المدينة بكرومها وعنبها المسكى وعناقيده تتدلى من السقوف وعنب قنا ينضج قبل عنب مصر والفيوم بخمسين يوما ، وذلك أنه فى أرض رملية وجوها شديد الحرارة ، أما الخوخ فتزن الواحدة منه مائة درهم ، وفيها المشمش طيب وحمامها مشهور ويأتى التجار من مكة ويأخذون الحمام من التجار ويضعونه فى أقفاص ليأخذوه ، ويطيرونه وهو مقيد الجناحين فيطير ويبلغ فى مدة تتراوح بين ساعة إلى خمس ساعات ثم يعود مرة ثانية إلى قنا ويضرب به التجار للناس المثل فى من يمضى إلى حيث يريد فى طرفة عين ، ويقولون أأنت حمام قنا ، وفى قنا يطيب عبد اللاوى ، وهو نوع من الشمام وأكل لبه وبذره مدر للبول كما يطيب البطيخ والشمام والخيار والعجور فى هذا البلد.
بيان ما فى هذه المدينة من قبور الأولياء
فى الجهة القبلية من المدينة وفى الحدائق قبر الشيخ عبد الرحيم القناوى وهو الملقب بين الأولياء والصلحاء بشفيع الملّة وقد ذكرت مناقبه على التفصيل فى كتب تراجم الأولياء وطبقات الشعراوى وله باب يفضى إلى الجهة الغربية وعلى صندوقه الشريف زجاج رقيق وعليه سقف منقوش كما أن صندوقه مستور بستر أحمر وعلى عمود رخامى أمامه تاريخ مكتوب هو : بسم الله الرّحمن الرّحيم يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ ...) إلى آخر هذه الآية الكريمة رقم 21 من سورة التوبة ، وبعدها (انتقل العبد الفقير إلى عفو ربه القدير الشيخ الإمام الحسينى ، النسيب علم الأعلام ، وبركة الإسلام وغياث الأنام ، قطب الدين عبد الرحيم الحسينى ، وتوفى يوم الجمعة بعد صلاة الصبح فى يوم (.... ) من شهر صفر سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة هجرية قدسنا الله بسره العزيز.
وعند قدمه المباركة الشيخ أبو الحسن وبجانبه الشيخ سيد محمد اسكندرانى وبجواره الشيخ عبد الله القريشى وفى ركنى الشيخ عبد الرحيم من خلفاء الغار الشيخ إبراهيم أبو الدنيا أما سبب تسميته بأبى الدنيا أن ابنا له عندما انتقل إلى رحمة الله ، ولم يكن معهم درهم واحد لتجهيزه وتكفينه فانشقت الأرض عن كنز عظيم ، وحمل الأهالى ما فى الكنز من مال طوال ثلاثة أيام ، فاستغنوا بهذا المال ولذلك لقبوه بأبى الدنيا وقد عمرت قنا بهذا المال المستخرج من ذلك الكنز وبجانب هذا الشيخ العظيم ابنه الشيخ على الصابرى ابن الشيخ إبراهيم أبو الدنيا ، وأبوه كذلك قطب عظيم ، ولم يضع يده على هذا المال ، إنه كان رجلا نزيها ، إنه من ذوى قرابة الشيخ الزبيرى وقد توفى أيام الفتح زمن الصحابة الكرام ، والشيخ عبد النبى والشيخ سيد محمد والشيخ محمد الحسينى والشيخ سيد يونس ، وفى المدينة الشيخ عمر النسيم إنه قطب عارف بالله وله مناقب لا تدخل تحت حصر وخلف جامع عمر فى الركن الأيسر يرقد فى قبر متصل بجوار الجامع الشيخ محمد الأساسى وقد اعتزل أربعين عاما فى ركن وكان يغادر هذا
الركن للتبول والتغوط ليس إلا ، وكان ينام ساعة واحدة ، ولم يشاهد ماشيا ، وقضى عمره أصم أبكم ، وقد شغلته الطاعة والعبادة عن كل شىء فى الدنيا وقد حكى البكوات الذين اختلطت بهم قالوا ، إنهم كانوا يزورونه كسيفى البال ولكن المسرّة كانت تدخل قلوبهم بزيارته وقد دفن فى هذه المدينة آلاف من الصحابة رحمة الله عليهم أجمعين ، وفى هذه المدينة يسمون العرب العبابدة ، وهم يشكلون قبيلة تسكن تلك المدينة ، إنهم قوم يعيشون فى نعيم وهم شجعان وعددهم ستة آلاف ، وهم على الدوام يحملون الغلال إلى ميناء القصير وهم يمضون فى أرض رملية حيث يقطعون مسافة فى الصحراء والجبال وتحت حرارة الشمس وفى القرى يتناولون الإفطار ، وتجاوزناها بعشر ساعات فبلغنا القصير. جـ2ص348
كتبها الفقيرلمولاه
الشاذلى بن عباس الجعفرى
غفرالله له ولوالديه
وللمسلمين
الشاذلى بن عباس الجعفرى
غفرالله له ولوالديه
وللمسلمين